الاثنين، سبتمبر 22

شيء من العدم و اللامعنى ..



' لم تتمنى الموت صديقي .. والحياة لا زالت تفتح لك ذراعيها لتكتشف المزيد '
حين يبلغ منك اليأس أقصى ما يمكن .. و ينخر الحزن و اللامعنى وجودك .. لتتبدد طاقتك و تصير شحنتك محايدة إلى سلبية .. يكون وقع هذه الجملة كالصاعقة على مسمعك .. و صاحبها كوزر فظ على قلبك وجب عليك التظاهر بأنك تقدر مساعدته و كلماته التي تسعى اساسا للتخفيف عنك .. ربما ..
الواقع أن لم يعد شيء في الحياة مغر بالاكتشاف - بالنسبة لك على الأقل - .. 
جئت للحياة يوما كثمرة حب غالية لطالما انتظرت .. رحب بك الجميع و أغمروك حبا في أيامك الأولى قبل ان يصبح وجودك عادة بل و عبء ثقيل وجب تحمله كفرض عين تسنه قوانين الطبيعة. لتصير تربيتك فيما بعد عبارة عن تسلسل معلومات و حكم و سلوكات متبعة لإرضاء غرور أبوي يريدك جزما أن تصير أفضل منه و أروع من وجد على الإطلاق.
تكبر بعد ذلك لتكتشف أن الحياة تضم عالما غير ذاك الذي حوصرت فيه طيلة طفولتك البريئة .. بين بيت يمنحك من الحنان كل ما هو مادي ملموس مع إهمال واضح للجانبك النفسي و المعنوي - داخل نسق مغربي أصيل - .. و بين مدرسة تضخ في عقلك الصغير معلومات تفرغ تلقائيا مع أول خطوة تخطها خارج الإمتحان .. في دعوة صريحة لفصل وزارة التربية عن التعليم لأن هذا الترابط يجني بشكل واضح عن التربية في سبيل 'اللاتعليم ' ..
العالم المكتشف ليس أقل بؤسا من سابقيه .. قد تجد فيه ظالتك و هوايتك التي كبحت طيلة مسيرتك بين أحضان المعلمة ' الأم ' .. قد يجعلك الإحتكاك المبالغ مع أصناف من البشر تفهم امورا التبست عليك فيما سبق .. قد تغير كثيرا من أفكارك و تسير في رحلة بناء جديدة لها ما لها من إيجابيات و عليها ما عليها من شوائب. تفقد الكثير من أصدقاء طفولتك ' رغم أنك حفظت عن ظهر قلب سابقا ان الصداقة كنز لا يفنى .. ' و تدخل في صراع اديولوجي نتن تتمنى لو أن تفكيرك كان قاصرا لتعيش حياة هانئة تعج حيوية و أملا و نشاطا .. في ظل استقرار عاجز عن حملك تحت عتبة التيه ..
ستفهم أخيرا أن الحياة لعبة كبرى تليق بأصحاب القلوب المدنسة .. أن أساسها مبني على علاقة أخد و رد .. حتى أسمى و أبهى جوهر يحكمها ألا و هو الحب .. محكوم بقانون الثمن و المقابل .. أن العفوية الطفولية باهضة الثمن مكلفة المشاعر متعبة النفس .. أن مواجهة عقليات مجتمع عبد لسيكولوجية المقهورين المكونين له بنية حسنة و فؤاد يسع الجميع سيجعل منك شخصا مثيرا للشفقة؛ أبله التصرف؛ دمدومة .. ستكتشف بعدها ان طيبتك تعود على أقرب الناس إليك لا عليك فقط .. فتتوه بين محاولة إرضاء نفسك و تصنع شخصية مخالفة لك تتصف بشيء من الكبر و التعالي و التحايل في معاملة الآخرين .. ! 
ستجد أخيرا أن جسد الأنثى الذي ولدت فيه عبء كبير عليك وجب تحمله .. أن اكثر المسيئين إليه ليس هو ' المجتمع الذكوري و الرجل الشرقي ' الذي لطالما نظمت به الشعارات و تغنت به الجمعيات و المنظمات و نساء الاحياء الراقية و الطبقات الغنية. بل هن النساء بالدرجة الأولى .. أمهاتنا و حداثيات المظهر و الحريات الفردية فارغات الحس و الكرامة الإنسانية .. و خضوعك أحيانا أنت أيضا لأحكام و قوانين فرضها السياق العام للمجتمع قبل سنوات مضت .. بقيت متجدرة متحجرة في عقليات تترجمها كسلوك طبيعي سليم. 
ستخلص إلى أن العدم أساس الحياة .. و أن ميلادك في وطن هكذا .. يرضعك طعم البؤس منذ ميلادك .. و يضيف لكل ما سبق همه و طموحك لأجله و سعيك لتركه على شكل أفضل و لو قليلا مما وجدته عليه .. ثم يأبى إلا ان يواجهك بمختلف طرق الإحباط لتجر خيبتك بعيدا مؤمنا أنك ولدت ربما في المكان الخطا و الغير قابل للتطور ..!

و بعد ان تكتب كل هذا الكم من اليأس و البؤس و التشاؤم و السوداوية .. و التي تغمرك منذ مدة و لا تجد السبيل لتجاوزها .. ستجد أن تدوينها هو أول السبل للتخلي عنها .. للبس عباءة الأمل و الحيوية و الإيجابية .. دفعة قوية ربما تجعلك تكذب على نفسك مجددا و تخترق معنى لهذا الخراب ..  يدفعك للإستمتاع بالأيام المتبقية من حياتك .. علها تكون أقل مما مضى !

هناك تعليق واحد:

  1. صادفتها وقرأتها .. بروية :)
    اجدها كاني انا من اكتب .. واتفق جدا مع ان عبئ كونك انتى هو من صنعنا نحن .. نحن الانات .. النساء .. الفارغات من كل شيء .. الا احتقار ذواتنا ..

    ردحذف