الثلاثاء، أكتوبر 8

مشاهدات حراسة ليلية .. صراع الحياة و الموت ..

مقالي المنشور بجريدة ' اخبركم ' الالكترونية .. بتاريخ 6 اكتوبر 2013 ..


الساعة تشير الى الثامنة من مساء السبت .. المكان: مستعجلات المستشفى الجامعي ..
urgences
ينسحب فريق النهار من أطباء و ممرضين و حراس لينضم جنود الليل .. بين حوادث السير .. و مشادات كلامية غالبا ما تختم بشجار و عراك حاد .. حوادث سرقة .. صراع بين رجال الشرطة و شفار من أولاد الشعب .. شباب غيبت المخدرات عقولهم .. ناهيك عن المشاكل الصحية الحادة الفجائية و غيرها… يجد الطبيب نفسه مضطرا لتحديد الحالات الأكثر خطورة.. بغية تسريع الفحص و الكشف.. وهو الأمر الذي لا يفهمه عادة المرضى و ذووهم .. لتسمع كلمات من قبيل:  ”هداك بنادم و هذا ترميوه ف الزبل” ..  ”هداك عارفينو و هذا يموت” .. “واش هاد السبيطار فيه غي طبيب واحد” .. و ألفاظ السب و الشتم التي لم أسمع لها مثيلا من قبل..
قرب الباب .. تُتَداول جمل من قبيل “سير حتى تقيد و اجي”.. “سير حتى تخلص و اجي” .. إجراءات إدارية ضرورية قبل رؤية الطبيب.. تنهك المريض و عائلته نفسيا و صحيا و ماديا.. حتى الصحة.. من أعمدة حقوق المواطن.. يجب أن يدفع لها مقابلا في أجمل بلد في العالم..
في غرفة مجاورة.. يعاني الممرضون من كل أشكال العنف النفسي و الجسدي.. في محاولة منهم لتضميد جراحات الوطن التي تنخر عظام الفقراء والمستضعفين منه .. و المساعدة على التئامها بقطوب جراحة مؤلمة.. تأبى إلا أن تترك بصمتها و تأثيرها النفسي للأبد.. بين صراخ أحدهم هنا.. وتألم الآخر هناك.. بين حركات ذهاب و إياب.. تقتحم المستشفى ثلاث سيارات إسعاف في وقت واحد.. يزداد الضغط و تتسارع الخطوات.. يدخل المرضى ثلاثتهم إلى غرفة الإنعاش.. و يعم الصمت.. صراع الحياة و الموت ذاك.. من أسوء ما يمكنك معاينته داخل المستشفى.. يحاول الفريق بدل أقصى جهده لإنقاذ حياة الثلاثة معا.. تتسارع دقات قلوب الاطباء بتسارع دقات قلوب المرضى .. الكل على أعصابه و لا مجال للخطأ.. بعد دقائق يربح أحدهم صراعه مع الموت.. في الوقت الذي يستسلم الاَخرون له.. و يفارقون الحياة ..
urgences deux
صمت يخيم على المكان.. و دموع صامتة تُذرف من أعين متعبة سئمت منظر الموت المؤلم ذاك .. “تفوو على سبيطار” يصرخ أحد الأطباء متذمرا.. بعدما فشل في إنقاذ حياة كما كان قد تعهد بذلك فيما مضى.. أما أكثر مَن في الفريق حكمة.. أو ربما الذي ألف قلبه منظر الموت ذاك فيتمتم قائلا .. “المكتاب” .. قبل أن ينصرف لإخبار اَهالي المتوفين.. فتتعالى الصرخات مكسرة هسيس الصمت والهمسات والدعاء الذي خيم على المستشفى لمهلة..


حالة المستشفى ليلا.. تجعلك تتساءل فعلا.. هل الأصل في الإنسان شر أم خير؟ من فرط الكاَبة و الحزن و البؤس الذي تلاحظه.. و الأنانية التي تظهر حين حلول المصائب.. تفكر جديا في الجواب من زاوية نظر واقعية – إنسانية بعيدا عن الأحلام الأفلاطونية..
حالة المستشفى عموما.. كئيبة حد التعب.. غياب المعدات.. قلة عدد الاطباء.. صغر المساحة.. غياب التنظيم.. الخ. يحاول بعض الممرضين الخروج من حالة الكاَبة التي يعيشونها.. تتعالى ضحكات بئيسة من إحدى القاعات.. يصرخ مرافق أحد المرضى “واش هذا سبيطار ولا مسرح” .. “وا فين هما الأطباء” .. فيسارع أحدهم ليشرح له أن الطبيب المختص الذي سيعالج المريض لن يحضر حتى الصباح.. و أن حالة المريض مستقرة حاليا..
الساعة تشير إلى الثامنة صباحا.. يغادر جنود الليل المستشفى بعيون شاحبة و أجساد مُرهقَة.. بعد ليلة حاول بعضهم خلالها إنقاذ حياة اَخرين، مُعرضين حياتهم للخطر.. في الوقت الذي ترك البعض الاخر الجمل بما حمل، مُوليا ظهره لكل البؤس المشهود و نام بأحد أرجاء المستشفى.. يغادر الجميع بحثا عن الحياة.. في محاولة بحث عن توازن لحياتهم النفسية قبل استئناف الحراسة الليلية الموالية..

هناك تعليق واحد: