كم هو مؤلم إحساسك بالغربة. غربة الوطن داخله.. غربة البشر بين أحضانهم.. وغربة الحياة وأنت حي ترزق.
كم هو متعب أن تعيش في محيط وجدت فيه صدفة.. ليكون الانتساب إليه وصمة عار تحملها على جبينك طيلة حياتك.. ناهيك عن المخلفات النفسية منها والمادية من تربية وثقافة مجتمعية وتعليم ومفهوم الحق والواجب.. الخ. الإحساس بالغربة داخل الوطن الذي يفترض أن يحضنك ويكون أرحم حضن لك وأجمل موطن تتواجد به.. أول صدمة تعترض طريقك وتكفي لتحطيم مخططاتك وطموحات الطفل البريء الحالم داخلك.
أسوء من الوطن, إحساس باللانتماء للبشر.. حين يصبح المحدد الرئيسي لقيمة الإنسان إيديولوجيا محضا.. وحين يوكل بعضهم نفسه خليفة لله في الأرض يصنف الناس يمنة ويسرة ويمنح الحق في الحياة لمن شاء وينزعه عمن شاء.. عندما تعيش في وطنك مغتربا سلفا مع شعور بأن الحساب مكلف به محدودو الأفق عديمو الإحساس وبسببه يمكن أن تهدم حياتك للأبد لمجرد محاولتك إصلاح الصدفة التي أخطأتك.. وذنب غربة الوطن الذي لم تقترف..
وما أكثر نماذج الأرحام التي أخطأت اختيار مواضعها.. رائف بدوي نموذج حي حالي يعاني من وطنه وأشباه البشر الذين يطوقون هذا العالم الوحشي. ردة وإساءة للدين الإسلامي ونشر الإلحاد.. كلها تهم زجت به في السجن بالسعودية لتكلفه أفكاره المختلفة عن موكب القطيع والرعاة عشر سنوات سجنا نافذا و1000 جلدة موزعة على كل يوم جمعة “مباركة” لمدة عشرين أسبوعا. نفسها السعودية التي نددت قبل أيام بالهجوم الإرهابي على مجلة شارلي إيبدو بفرنسا.. في الوقت الذي لا يكاد يخلو الحكم الذي أصدرته في حق المدون السعودي من مختلف أشكال الإرهاب النفسي والجسدي ومن العقوبات اللاإنسانية والمهينة.
هذه المفارقة العجيبة.. تجعلك تتساءل حقا عن قيمتك ككائن حي داخل العالم.. عما إذا كان الإنسان أولا أو العلاقات الدولية والمصالح العليا للأوطان.. وعن جدوى هذه الأخيرة إن لم تكن تصب في مصلحة الأفراد المكونين لتلك الأوطان أولا وأخيرا. ستخلص يا صديقي إلى أن الحياة عاهرة توفر خدماتها لمن يجمل صورته ويدفع أكثر.. وأن روحك أخطأت المكان والزمان وحتى الإختيار. أولى بك أن تتوفى قبل ميلادك على أن تعيش مغترب الوطن والبشر والحياة.
رابط المقال على أغراس: http://urlz.fr/20e3